عندما وضعت الحرب العالمية أوزارها أعتقد الجزائريون كباقي شعوب العالم التي كانت خاضعة لأنظمة استعمارية استبدادية أن الوقت قد حان كي تعترف فرنسا باستقلال الجزائر خاصة و أن المئات من الجزائريون شاركوا في الحرب إلى جانب الحلفاء و عانوا الكثير من ويلات الحرب .
و في اليوم الذي أعلن كتاريخ للاحتفال بنهاية الحرب أي في 8 ماي 1945 نظم كل من حرب الشعب و أحباب البيان مظاهرات سلمية فرفضت القوات الاستعمارية أن يحمل المتظاهرون لافتات تطالب بالاستقلال و تحولت المظاهرات السلمية إلى حمام من الدم و أنتفض الشعب في مناطق مختلفة من البلاد وقوبلت هذه الانتفاضة بقمع وحشي شاركت فيه قوات البوليس و ميليشيات الكولون و الجيش الفرنسي مستعملا أسلحته المختلفة. فقامت الطائرات بقصف بعض الدواوير و المشاتي كما شاركت البوارج البحرية في عمليات القمع حيث قصفت بعض المناطق في كل من بجاية و جيجل
بعد هذه الأحداث انقسمت الحركة الوطنية إلى تيارين ، فخوفا من مجازر أخرى فضل التيار الأول الأساليب السلمية و النضال السياسي و فضل التيار الثاني التحضير للمواجهة المسلحة .
فأنشأ فرحات عباس حربا برنامجه يعتمد على البيان الذي قدم للحلفاء في 1944 و المطالب بالحق في تقرير المصير و القضاء على النظام الاستعماري و المساواة بين المواطنين و بضمان الحريات الأساسية لكل الجزائريين مع البقاء ضمن اتحاد فيدرالي فرنسي .
و كون مصالي الحاج حزبا جديدا خلفا لحزب الشعب هو حرب انتصار الحريات الديمقراطية و الذي كان يعتمد نفس البرنامج المطالب بالاستقلال التام عن فرنسا و الذي بصفة رسمية كان يعتمد أسلوب النضال السياسي .
و لكن ضمن هذا التنظيم كون الحرب منظمة سرية شبه عسكرية سميت بالمنظمة الخاصة أوكلت لها مهمة التحضير للثورة بجمع و إشتراء الأسلحة و تدريب المقاتلين على استعمالها والتجسس على حركات البوليس و كان محمد بلوزداد أول مسؤول عنها.
و قد اعتمدت فرنسا بعد مجازر سطيف قالمة وخراطة أسلوب المراوغة فأصدرت في 1947 قانونا جديدا يسير الجزائر. يعترف بالمساواة في الحقوق والواجبات بين كل سكان الجزائر و ينشأ مجلسا وطنيا جزائري لكن في نفس الوقت ينشأ هيئتين انتخابيتين هيأة خاصة بالكولون و نخبة من المسلمين و هيأة ثانية خاصة بالأهالي و تنتخب كل هيأة 60 نائبا وبذلك يتساوى صوت المعمر مع 8 أصوات من الأهالي.
ورغم هذا الإجحاف في التمثيل و السلطات المحدودة للمجلس الوطني الجزائري تفنن الكولون وعلى رأسهم الحاكم العام نجيلان في التزوير لمنع أنصار مصالي الحاج وفرحات عباس من الحصول على مقاعد في المجلس .
لقد عاشت الحركة الوطنية في بدايةالخمسينات أزمة حادة نتيجة للتردد من جهة و رفض المستعمر تقديم أية تناماوالات سياسية تعطي الأمل في حل سلمي للمعضلة الجزائرية .
فبعد وفاة محمد بلوزداد و عملية السطو على بريد وهران أستطاع البوليس تفكيك المنظمة الخاصة ( و ذلك على إثر فشل عملية تأذيب مناضلين من المنظمة) و قام باعتقال عدد من مناضليها.
و ظهرت صراعات حادة داخل حزب انتصار الحريات الديمقراطية بين أنصار مصالي الحاج من جهة و أعضاء اللجنة المركزية للحزب الذين كانوا يعارضون تسلط مصالي الحاج و تسييره اللاديمقراطي للحرب.
أنتخب يوسف بن خدة أمينا عاما للحرب في 1953 و عارض مصالي قرارات المؤتمر مما خلق أزمة حادة و أنشقاقا كبيرا داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية في نفس الفترة تأزمت الأوضاع في تونس حيث أمام الانسداد السياسي و إلقاء القبض على بورقيبة و اغتيال فرحات حاشد حمل بعض مناضلي القضية الوطنية السلاح و لم تهدأ الأوضاع إلا في جويليا 1954 عندما قررت حكومة منداس فرانس منح الاستقلال الذاتي لتونس.
وقد سادت الاضطرابات المغرب كذلك نتيجة حمل حزب الاستقلال مطلب إلغاء الحماية الفرنسية على المغرب ، فقد منع كل من حزب الاستقلال و الحرب الشيوعي من النشاط السياسي و نفي الملك محمد الخامس في 20 أوت 1953 نتيجة لمساندته لهذا المطلب و أنتفض الشارع في مدن كثيرة من المغرب .
عرفت هذه فترة بداية الخمسينات انتشار واسع لفكرة التحرر وانحصار المد الاستعماري، فقد كان للثورة المصرية 23 جويلية 1952 وللحركات المسلحة في كل من تونس والمغرب و الفيتنام صدى كبيرا في نفوس المناضلين الجزائريين الذين تأكدوا من عدم جدوى النضال السياسي للقضاء على نظام إستعماري يحاول بكافة الوسائل إحكام قبضة الأقلية على ثروات و خيرات البلاد .
الثورةالتحريرية1954-1962م